الجمعة، 28 يوليو 2017

من سير الصحابه

من سير الصحابه عبد الله ابـن أم مكتـوم


صورة




هو الصحابي الجليل ( ابـن أم مكتـوم ) الأعمـى ، وهو الصحابي

الذي عُوتب فيه النبي صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات

من قِبل الله سبحانه ونزل في شأنه قرآن يُتلى إلى يوم القيامة ،

اسمه في المدينة عمرو بن قيس بن زائدة القرشي العامري و في

العراق اسمه عبدالله ، وهو قرشي مكي ، تربطه بالرسول صلى

الله عليه وسلم رحم ، فهو قريب من أقرباءه وابن خال أم المؤمنين

خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وأمه عاتكة بنت عبد الله ، وقد

دُعيت بأم مكتوم ، لأنها ولدته أعمى مكتوما ، فكان ضريرا طول حياته.


إسلامه


شهد عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه مطلع النور في

مكة ، فشرح الله له صدره للإيمان ، فأسلم مبكرا، فكان من

المسلمين الأوائل ، وعاش محنة المسلمين في مكة بكل ما

حفلت به من تضحية وثبات وصمود وفداء ، وعانى من قريش

ما عاناه أصحابه من بطش وقسوة ، ثم هاجر إلى المدينة المنورة

بعد مصعب بن عمير رضي الله عنهما ،

قبل أن يهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إليها

وقبل بدر قال البراء رضي الله عنه :

( أول من قدم علينا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه

وسلم مُصعب بن عمير وابن أم مكتوم ، فجعلا يُقرئان الناس القرآن )


عبس وتولى


لقد بلغ حرص ابن ام مكتوم رضي الله عنه على حفظ القرآن

الكريم ، أنه كان لا يترك فرصة إلا اغتنمها ، ولا سانحة إلا

ابتدرها ، وكان أحيانا يأخذ نصيبه من النبي صلى الله عليه

وسلم ونصيب غيره ، لرغبته القوية أن يكون مع النبي صلى

الله عليه وسلم دائما ، فالمؤمن لا ترتاح نفسه إلا مع المؤمنين .

ولقد كان صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة كثيرالتصدي

لسادات قريش ، شديد الحرص على إسلامهم ، فالتقى

ذات يوم بعتبة بن ربيعة وأخيه شيبة بن ربيعة ، وعمرو

بن هشام المكنى بأبي جهل ، وأمية بن خلف ، والوليد

بن المغيرة ، والد سيف الله خالد رضي الله عنه ، وطفق

يفاوضهم ويناجيهم ويعرض عليهم الإسلام ، وهو يطمع أن

يستجيبوا له ، لأنهم إن أسلموا أسلم معهم خلق كثير ،

وإن اقتنعوا بالإسلام ولم يسلموا ، فالحد الأدنى أنهم كفوا

أذاهم عن ضعاف المؤمنين الذين يعذبونهم آناء الليل وأطراف النهار .

وفيما هو كذلك أقبل عليه عبد الله بن أم مكتوم رضي الله

عنه يستقرئه بعض آيات الكتاب الكريم ، فرأى النبي صلى

الله عليه وسلم أن هذا الوقت غير مناسب ، و بإمكانه أن

يأتي في أي وقت يشاء غير هذا ، فاعرض عنه وعبس

في وجهه ، ثم تولى نحو أولئك النفر من قريش ، وأقبل

عليهم أملا في أن يسلموا ، فيكون في إسلامهم عز لدين الله ، وتأييد لدعوة رسول الله .

وما إن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه معهم

وهَم أن ينقلب إلى أهله حتى أمسك الله حتى جاءه الوحي ،

ونزل عليه قوله تعالى : (( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ))

ست عشرة آية نزل بها جبريل عليه السلام على قلب النبي

صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن أم مكتوم رضي الله

عنه ، لا تزال تُتلى وسوف تظل تتلى حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

ومنذ ذلك اليوم ما فتئ النبي صلى الله عليه وسلم يكرم

منزل عبد الله بن أم مكتوم الذي عوتب فيه من فوق سبع

سماوات ، ويدني مجلسه إذا أقبل ، ويسأل عن شأنه ويقضي حاجته .


الآذان

كان بلال يؤذن وابن أم مكتوم رضي الله عنهما يقيم الصلاة ،

وربما أذن ابن أم مكتوم وأقام بلال الصلاة، ولكن بعد حين

وجه النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يؤذن هو الذي يقيم الصلاة .

وكان لبلال وابن أم مكتوم رضي الله عنهما شأن آخر في رمضان ،

فقد كان المسلمون في المدينة يتسحرون على أذان أحدهما ويمسكون

عند أذان الآخر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إن بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم "



إكرام النبي له


لقد بلغ من إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم

رضي الله عنه أن استخلفه على المدينة عند غيابه عنها بضع

عشرة مرة ، كانت إحداها يوم غادرها لفتح مكة ، وهذه مرتبة

عالية جدا أن يختار النبي هذا الصحابي الجليل نائبا عنه في إدارة

شؤون المدينة في غيابه .


حبه للجهاد

في أعقاب غزوة بدر أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم

من آي القرآن ما يرفع شأن المجاهدين ويفضلهم على القاعدين ،

لينشط المجاهد إلى الجهاد ، ويأنف القاعد من القعود ، فأثر ذلك

في نفس ابن أم مكتوم رضي الله عنه وعز عليه أن يُحرم من ذلك الفضل وقال:

( يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت )

ثم سأل الله بقلب خاشع أن ينزل القرآن في شأنه وشأن أمثاله

ممن تعوقهم عاهاتهم عن الجهاد ، فهو بحكم عاهته محروم من

هذه العبادة العظيمة ، فكان يتألم وكان يبكي ، وكان يسأل

النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يسأل ربه أن ينزل قرآنا في

شأن ابن أم مكتوم رضي الله عنه المعذور ، وشأن أمثاله ممن

تعوقهم عاهاتهم عن الجهاد ، وجعل يدعو في ضراعة :

( اللهم أنزل عذري ، اللهم أنزل عذري )

فما أسرع أن استجاب الله سبحانه لدعائه ، حدث زيد بن ثابت

رضي الله عنه كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :

( كنت إلى جنب الرسول صلى الله عليه وسلم ، فغشيته السكينة ،

ونزل عليه الوحي ، فلما سُري عنه قال : " اكتب يا زيد "

فكتبت : (( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ))

فقام ابن أم مكتوم وقال :

( يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ؟ )

قال فما انقضى كلامه حتى غشيت رسول الله صلى الله عليه

وسلم السكينة ، ولما سُري عنه قال : " اقرأ ما كتبته يا زيد "

فقرأت (( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ))

قال : اكتب (( غير أولي الضرر ))

فكأن من إكرام الله سبحانه أن يستجيب لهذا الصحابي الجليل ،

وينزل به وبأمثاله المعذورين ما يبرر قعودهم .

ورغم انه أُعفى وأمثاله من الجهاد ، فقد أبت نفسه أن يقعد

مع القاعدين ، وعقد العزم أن يكون مع المجاهدين ، وحدد لنفسه

وظيفتها في ساحات القتال فكان يقول :

( أقيموني بين الصفين ، وحملوني اللواء أحمله لكم وأحفظه

فأنا أعمى لا أستطيع الفرار )


الشهاده


في السنة الرابعة عشرة للهجرة ، عقد عمر بن الخطاب

رضي الله عنه العزم على أن يخوض مع الفرس معركة

فاصلة تزيل دولتهم وتزيل ملكهم ، وتفتح الطريق أمام

جيوش المسلمين ، فأمر الفاروق رضي الله عنه على الجيش

الكبير سعد بن أبي وقاص ، ووصاه وودعه ، ولما بلغ الجيش

القادسية ، برز عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه لابسا درعه

مستكملا عدته ، وندب نفسه لحمل راية المسلمين والحفاظ

عليها أو الموت دونها ، والتقى الجمعان في أيام ثلاثة قاسية

عابسة ، فكانت حربا لم يشهد لها تاريخ الفتوح مثيلا ،

حتى انجلى الموقف في اليوم الثالث عن نصر مؤزر للمسلمين ،

وكان ثمن هذا النصر المبين مئات الشهداء ، وكان من بين

هؤلاء الشهداء عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه ، فقد وجد

صريعا مضرجا بدمائه وهو يعانق راية المسلمين

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 عصام
تصميم : يعقوب رضا