خال بن الوليد وحروب الرده
بعد أن توفي الرسول عليه الصلاة والسلام وحمل أبو بكر رضي الله عنه مسؤولية الخلافة، هبت أعاصير الردة ونشبت نيران الفتنة في قبائل أسد غطفان وعبس وطيء وذبيان، ثم في قبائل بني عامر وهوازن وسليم وبني تميم وصارت جيوشًا جرارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين، وواجه الإسلام محنة خطيرة، ولكن كان هناك أفضل أولياء أهل الأرض من البشر بعد الأنبياء سيدنا أبو بكر رضي الله عنه الذي عبأ المسلمين وقادهم إلى حيث كانت قبائل بني عبس وبني مرة وذبيان قد خرجوا في جيش كبير، وانتصر المسلمون.
ثم إلى معركة ثانية يكون فيها سيدنا خالد بن الوليد أمير لواء، وقد قال له سيدنا أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: « نعم عبد الله، وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله، سله الله على الكافرين والمنافقين »، ومضى خالد إلى سبيله ينتقل بجيشه من معركة إلى معركة ومن نصر إلى نصر حتى كانت المعركة الفاصلة « باليمامة » حيث كان بنو حنيفة ومن انحاز إليهم من القبائل قد جيشوا أخطر جيوش الردة قاطبة يقودها مسيلمة الكذاب، وقد جاء الأمر من سيدنا أبي بكر الصديق للقائد البطل خالد بن الوليد أن سِرْ إليهم، وسار سيدنا خالد ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق إليه حتى أعاد تنظيم جيشه ليكون خصمًا رهيبًا وخطرًا حقيقيًا ضد جيوش الحق.
ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة، وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه وبصفوف جيشه الكثير العدد، وسلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه، والتحم الجيشان ودار قتال وسقط العديد من المسلمين شهداء، ثم أبصر خالد رجحان كفة الأعداء فاعتلى بجواده ربوة قريبة ونظر إلى سير المعركة وصار ينادي فيالق جيشه وأجنحته، ثم صاح بصوته: امتازوا لنرى اليوم بلاء كل حي. فمضى المهاجرون تحت رايتهم والأنصار تحت رايتهم، واشتعلت الأنفس حماسة، وامتلأت عزمًا، وخالد يرسل بين الحين والحين تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقي بها أمرا، وفي دقائق معدودة تحول اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات، وقتل مسيلمة الكذاب وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال، وطويت راية الكذاب تحت التراب.
ثم أرسل أبو بكر الصديق توجيهاته إلى خالد بن الوليد أن يمضي بجيشه نحو العراق. ولقد استهل عمله في العراق بكتب أرسلها إلى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم: من خالد بن الوليد … إلى مرازبة فارس….سلام على من اتبع الهدى… أما بعد، فالحمد لله الذي فض خدمكم، وسلب ملككم، ووهن كيدكم…فوالذي لا إله غيره لأبعثنَ إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة.
وجاءت طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزحوف الكثيرة التي يعدها له قواد الفرس في العراق، فلم يضيع وقته فاستولى بسرعة كبيرة على الأبلة، والسدير، والنجف، والحيرة، فالأنبار، فالكاظمية، مواكب نصر تتبعها مواكب ترتفع فيها رايات الإسلام. وسار بجيشه الظافر يصحبه النصر حتى وقف على تخوم الشام لمحاربة الروم.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق