فوائد النوم للانسان والاحلام
إن النوم والأحلام التي تحدث فيه هي من وظائف الدماغ الأساسية. وعلى الرغم من تطور فهمنا لوظائف النوم والأحلام في العقود الماضية من خلال تطور أساليب وتقنيات دراسة الدماغ تشريحياً ووظيفياً ، فإن هناك أموراً عديدة مرتبطة بالنوم والأحلام لا تزال غير مفهومة .
ويشكل موضوع النوم والأحلام مادة خصبة وجذابة يستفيد منها الخيال الشعبي وتغذيها أفكار شائعة ونظريات خاطئة وموروثات قديمة بعيدة عن المنطق العلمي .
وقد حاول الإنسان منذ القدم أن يطرح تفسيرات لظاهرتي النوم والأحلام وقد ارتبطت تلك التفسيرات بالقوى الغيبية والسحر والشياطين ، وفي عقائد بعض قبائل الإسكيمو أن الروح تترك الجسم أثناء النوم وتعيش في عالم آخر خاص بها وأن إيقاظ الحالم من نومه يسبب خطراً كبيراً يهدد بضياع روحه وعدم قدرتها على العودة إلى جسده مرة أخرى، وكذلك فإن بعض القبائل الهندية القديمة التي لديها نفس الاعتقاد كانت تعاقب بشدة كل من يوقظ نائماً .. وكان المصريون القدماء أول من اعتقد بأن الأحلام إيحاء مقدس وكانوا يسمونها الرسل الغامضة إلى النائم للإنذار بالعقاب أو المواساة والتعزية والتبصير، ويذكر هيرودوت أن بلاد الإغريق كانت تحتوي في وقت من الأوقات على حوالي 600 معبد مخصص للأحلام وتلمس الشفاء عن طريقها .
وفي تراثنا العربي أن الأحلام المرعبة هي بسبب تأثيرات شيطانية شريرة أو ناتجة عن الحسد والسحر ، بينما تكون الأحلام السعيدة ناتجة عن تأثيرات غيبية صالحة . كما نجد أيضاً أن عدداً من الأشخاص يعتقدون بتأثير الأحلام على حياتهم الشخصية والعملية والزوجية وهم يحاولون البحث عن تفسير ودلالة هذه الأحلام وهم يتخذون قرارات هامة بناءً على هذه التفسيرات .
النوم من النواحي الطبية النفسية :
من النواحي الفيزيولوجية والطبية النفسية يعتبر النوم ضرورياً جداً وهو بمثابة وقود ضروري للجسم والعقل والنفس ..والحرمان منه يؤدي إلى أعراض جسمية ونفسية متنوعة . وتتلخص الوظائف الأساسية للنوم فيما يلي :
1- يساهم النوم في ازدياد المناعة وتحسينها ، والأشخاص الذين لا ينامون جيداً تضعف مناعتهم كما يحدث للطلبة أثناء الامتحانات مما يجعلهم عرضة للإصابة بالإنفلونزا وغيرها .. ويبدو أن تأثيرات النوم على جهاز المناعة يرتبط بإفرازات الهرمونات الدماغية التي تحافظ على المناعة .
2- يساهم النوم في تجديد الطاقة الجسمية والعقلية والنفسية التي تصرف أثناء الصحو ، ونجد أن الأشخاص الذين لا ينامون جيداً يشكون من التعب الجسمي والذهني ومن التوتر النفسي وسوء المزاج .
3- يساهم النوم في عملية تثبيت المعلومات التي تدخل إلى الدماغ من خلال تنشيط العمليات التي تحول وتثبت المعلومات في مناطق الذاكرة المختلفة . ومن تطبيقات ذلك العملية أن الطلبة يحتاجون إلى النوم وقت الامتحانات مما يساعد على تثبيت ما تم تعلمه وحفظه.. والنصيحة العامة أنه بعد أي نوع من التعلم " أن تنام عليه " .
4- يساهم النوم في عمليات حل المشكلات التي يواجهها الإنسان في حياته اليومية حيث يقوم الدماغ بإعادة برمجة للمعلومات الداخلة وإعادة تنظيم لهذه المعلومات وهو يقوم بطرد المعلومات غير النافعة ويبقي على المعلومات الهامة المؤثرة .. ويعني ذلك أن العقل لا يتوقف عن العمل نهائياً أثناء النوم بل يقوم بعمليات عقلية انتقائية مفيدة ومتنوعة .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن النوم عند الأطفال يرتبط بالنمو الطبيعي للجسم والعقل من خلال الإفرازات الهرمونية المرتبطة بالنمو ، ويؤدي الحرمان من النوم عند الأطفال إلى مشكلات متنوعة في النمو .
ويحتاج الأطفال الرضع إلى ساعات نوم طويلة تصل إلى 18 أو 20 ساعة يومياً ثم تقل مع النمو والتقدم في العمر لتصبح حوالي 6-9 ساعات عند البالغين ثم تقل في مرحلة الشيخوخة إلى 4-6 ساعات.
ويمكن لعدد من الأمراض الجسمية أن تؤدي إلى اضطرابات في النوم مثل قصور القلب والكية والكبد وحالات التسمم المختلفة والأمراض الجسمية التي تترافق بالآلام الجسمية ، وغير ذلك .
كما ترتبط اضطرابات النوم بعدد من الاضطرابات النفسية المحددة مثل القلق العام والاكتئاب والاضطراب المزاجي الهوسي والحالات الذهانية الحادة واضطرابات الشدة النفسية والضغوط والصدمات والإدمانات المتنوعة وغيرها .
كما أن هناك اضطرابات خاصة بالنوم مثل الأرق البدئي والثانوي ونوبات النوم المفاجئ ونوبات الرعب الليلي والمشي أثناء النوم نوبات انقطاع التنفس والشخير وغير ذلك .
ويعتبر الأرق أكثر مشكلات النوم شيوعاً .. وهو يصيب المرأة أكثر من الرجل .. بينما يصاب الرجال بالشخير أكثر من النساء . ومن الفروق بين الجنسين أن المرأة بشكل عام تنام أكثر من الرجل .
والنوم الطبيعي يمر بعدة مراحل وفقاً للدراسات العلمية وتخطيط الدماغ الكهربائي وهي :
1- المرحلة الأولى : وهي مرحلة الدخول إلى النوم ويتباطأ فيها النشاط العضلي وكذلك حركة العينين ويقل معدل حركات التنفس ونبضات القلب ، ويحدث فيها الإحساس بأن الإنسان يهبط أو يطفو ، وفيها موجات ثيتا وهي أبطأ من موجات بيتا وألفا التي ترتبط بحالة الصحو . وهذه المرحلة قصيرة وتستغرق عدة دقائق . ويمكن للإنسان أن يستيقظ منها بسهولة .
2- المرحلة الثانية : وهي مرحلة النوم الخفيف وفيها تتوقف حركة العينين وتتناقص حرارة الجسم وحركات التنفس ونبضات القلب كما ينقص التوتر العضلي العام ، وفيها تنتشر موجات ثيتا بكميات أكثر مع ظهور اندفاعات سريعة متلاصقة من النشاط الكهربائي تسمى وشائع النوم . وفي هذه المرحلة وفقاً للدراسات الحديثة تبين أن هذه الموجات المتلاصقة تساعد على برمجة المهارات العضلية البسيطة والمعقدة التي تعلمناها أثناء النهار .
3- المرحلة الثالثة : وهي مرحلة انتقالية تبدأ فيها موجات دلتا بالظهور وهي موجات بطيئة وكبيرة .. وعندما تزداد هذه الموجات بالظهور نكون قد وصلنا إلى المرحلة الرابعة .
4- المرحلة الرابعة : وهي تسمى مرحلة النوم النوم العميق وفيها يكون الجسم مسترخياً تماماً وتقل حركات التنفس ونبضات القلب وحرارة الجسم بدرجة واضحة كما يقل تدفق الدم إلى الدماغ . ويحدث في هذه المرحلة إفراز هرمون النمو ويبدو أن مرحلة النوم العميق هذه هي مرحلة الحفاظ على الجسم وصيانته وإعادة ترميمه ، وأيضاً مرحلة تقوية وتثبيت لما تعلمناه في الذاكرة . ويصعب إيقاظ الإنسان في هذه المرحلة وإذا حدث الاستيقاظ فيها يمكن أن يحدث للإنسان نوع من اختلاط الذهن أو صعوبة التوجه في المكان والزمان بشكل مؤقت .
5- مرحلة حركة العينين السريعة : وهي تتظاهر بحركة سريعة للعينين بشكل أفقي جانبي وإلى المركز ثانية ويمكن أن يلاحظ ذلك من وراء الأجفان أو بعد فتحها .وهي تحدث بعد مرحلة النوم العميق وفيها نشاط واضح للدماغ وهي تترافق مع ازدياد حركات التنفس ونبضات القلب وعدم انتظامها ويزداد تدفق الدم إلى الأعضاء الجنسية ويمكن أن يحدث انتصاباً عند الذكور . ولكن التوتر العضلي العام ينخفض كثيراً مما يجعل الأطراف مسترخية تماماً وشبه مشلولة . وتكون موجات الدماغ الكهربائية سريعة وصغيرة وتشبه موجات الدماغ في حالة الصحو .
وترتبط هذه المرحلة بحدوث الأحلام بشكل وثيق .وتدل بعض الدراسات على أن الحرمان من هذه المرحلة يمكن أن يؤدي إلى ضعف الانتباه في حالة الصحو وأيضاَ يؤدي إلى نسيان معلومات هامة تعلمناها خلال النهار .. ولم تؤكد دراسات أخرى ذلك ولكن البحث لا يزال جارياً لمعرفة طبيعة العلاقة بين مرحلة حركة العينين السريعة وبين وظائف الذاكرة المتنوعة .
ومراحل النوم تتكرر بشكل دورات مدتها حوالي 90 دقيقة ، وتستمر مرحلة الأحلام حوالي 15-20 دقيقة في كل دورة أي أن النائم يقضي 20% من نومه وهو يحلم ، ويتميز الأطفال بأنهم يقضون وقتاً أطول من البالغين في مرحلة الأحلام .
وهكذا كلنا نحلم يومياً .. ولكننا لا نتذكر إلا جزءاً قليلاً من أحلامنا .. وبعض الأشخاص يظنون أنهم لا يحلمون أبداً ولكنهم يحلمون ولكن لا يتذكرون . والأعمى يحلم أيضاً وليس الحلم صور بصرية فقط بل هو نشاط عقلي تخيلي يتضمن الصور والصوت والانفعال والخيال ، والنائم يرى بعقله لا بعينيه . وكثير من الأحلام تظهر باللون الأبيض والأسود وبعضها ملون ،ويمكن أن تدور حوارات وكلمات بلغة أجنبية في الحلم .
ومن الأحلام ما يعرف باسم الكابوس وهو من الأحلام المزعجة ويدل على القلق وإذا كان متكرراً فإنه يحتاج للعلاج المناسب .
ويحتاج الأرق للعلاج إلا إذا كان عارضاً أو مؤقتاً .. وبعض العلاجات المهدئة مفيدة جداً إذا استعملت لفترات قصيرة . كما يمكن استعمال الأدوية الحديثة التي تعالج القلق والاكتئاب لعلاج الأرق .. ولابد من بحث أسباب الأرق بالتفصيل لأن أموراً عديدة يمكن أن تسببه .. وأكثرها شيوعاً تناول المنبهات وهي تحتوي على الكافئين مثل القهوة والشاي الأحمر والشاي الأخضر وشراب المتي والكولا والشوكولا وغيرها .. وأيضاَ عدم تنظيم النوم والسهر ليلاً ، وكذلك التوتر النفسي والضغوط المهنية والأسرية .. والآلام العضلية . ومن المعروف أن آلام الحب ومشكلاته تؤدي إلى الأرق .. وتمتلئ الأغاني العاطفية بشكوى عدم النوم تفكيراً بالمحبوب ..
ولابد من تنظيم النوم الذي يعيد للجسم انتظام دورته البيولوجية .. وساعة الاستيقاظ هي الأهم في تنظيم النوم ، أي يجب الاستيقاظ في ساعة محددة صباحاً مما يساعد على الدخول في النوم دون أرق في الليالي القادمة.. ووفقاً لأسباب الأرق يكون العلاج المناسب .. وفي الحالات النفسية المختلفة التي تتظاهر باضطرابات في النوم لابد من مراجعة الطبيب النفسي لتقدير الحالة والبدء في العلاج المناسب .
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق