ضرورة حتمية لمواجهة تحديات العصر
نُشر هذا المقال أولا في موقع المؤتمر العالمي للابتكار في التعليم-مؤسسة قطر (link is external) لنفس الكاتب، و تمت إعادة نشره في إطار اتفاق التعاون و تبادل النشر بين ( وايز WISE )، و موقع تعليم جديد (link is external)، اضغط هنا (link is external) لقراءة المقال على موقع وايز.
لم يعد بمقدور شباب اليوم تصور الحياة منفصلة عن التكنولوجيات الحديثة و على رأسها الإنترنت، فقد أصبحت هذه الأخيرة ضاربة بجذورها في أدق تفاصيل حياتنا إلى حد غيرت معه أسلوب حياتنا برمته، حتى لا يكاد يشبه في شيء ذاك السائد ما قبل الثورة التكنولوجية، وغدت الآلات تقوم مقامنا في الكثير من الأعمال الشاقة و المرهقة، و تطورت الإنترنت من مجرد وسيلة للتواصل و تبادل المعلومات إلى إنترنت الأشياء التي تتحكم و تدبر و تزامن عناصر البيئة حيث تدور أحداث حياتنا اليومية، فهذه بيوتنا و سياراتنا أصبحت ذكية، و تلك أجهزتنا المحمولة تلازمنا في حلنا و ترحالنا، تنظم مواعيدنا و تسجل أدق تفاصيل حياتنا، حتى أصبحت خصوصيتنا مجالا مفتوحا للشركات الكبرى، و تلك مواقع التواصل الاجتماعي غيرت كثيرا من عاداتنا في التواصل و أعادت تعريف العديد من المفاهيم العلائقية، فأصبحت العلاقات الافتراضية تعوض شيئا فشيئا نظيرتها المباشرة، و غدت تلك المواقع وسائل للتعبئة و صناعة الرأي العام… و غيرها الكثير من التغييرات الجذرية التي أحدثتها التكنولوجيا في أسلوب حياتنا و طريقة تفكيرنا و نظرتنا للأمور من حولنا، حيث أصبحنا اليوم مطالبين بالتكيف مع عالم مختلف، عالم يتطور بوتيرة سريعة يصعب مجاراتها، و يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، إلى درجة تُعجز العقل البشري عن التكيف، و يصبح معها غير قادر على الاستجابة لمتطلبات هذا العصر دون مساعدة و توجيه، و لحسن الحظ فالتكنولوجيا التي عقدت حياتنا يمكنها في المقابل أن توسع مداركنا لمساعتنا على فهم العالم من حولنا و استيعاب متغيراته. و هذا الإدراك الموسع سيرورة معرفية أساسية و ليست مجرد رفاهية أو كمالية فكرية ( Andy Clark, Extended Mind, 1998) فالعقل البشري اليوم يمر بمرحلة انتقالية تلعب فيها التكنولوجيا دورا محوريا، فهي تساعدنا على التفكير و اتخاذ قرارات حكيمة في جميع مجالات الحياة، كما تعزز العديد من العمليات العقلية التي يستخدمها الإنسان لفهم ذاته و التعامل بفعالية مع بيئته، كالذاكرة و الإبداع و الابتكار، فالتكنولوجيا إذا استخدمت بحكمة يمكن أن ترتقي بالعقل البشري إلى آفاق و مدارك جديدة لم يكن ليبلغها يوما بآلياته العقلية الفطرية المجردة.
لكن، ألا يمكن أن يؤدي كل هذا الاعتماد على التكنولوجيا في أدق تفاصيل حياتنا و حلولها محل الإنسان في العديد من المجالات، و للقيام بالعديد من أموره الشخصية إلى إضعاف الذكاء البشري؟ و من جهة أخرى أليست قدراتنا العقلية وحدها كافية لمواجهة تحديات العصر، إذا تم استخدامها بحكمة؟
1- التكنولوجيا كآلية لمواجهة تحديات العصر
يرى مارك برنسكي Marc Prensky صاحب كتاب from digital natives to digital wisdom، أن العقل البشري و رغم كل القدرات الهائلة التي يتمتع بها، إلا أنه لم يعد لوحده قادرا على التعامل بجدارة و فعالية مع السياق الذي نعيش في كنفه، ما يفرض علينا تعلم توظيف التكنولوجيا لتعزيز مهارات التفكير (link is external) لدينا، فالاستخدام الحكيم للتكنولوجيا ينعكس إيجابا على الوجود البشري ككل.
إن ما ذهب إليه برنسكي Prensky صحيح، فالعقل البشري و رغم تفوقه على جميع الكائنات الحية الأخرى، و نجاحه في ضمان بقائنا منذ بداية تواجدنا على الأرض حتى يومنا هذا، إلا أنه و في هذا العصر المختلف تماما عن العصور التي مرت منها البشرية، لا يستطيع تذكر و معالجة ترليونات البيانات المعقدة التي تحيط بنا، فالعقل البشري بطيء نسبيا و الذاكرة البشرية ليست بنفس فعالية و دقة و كذا موثوقية الحلول التكنولوجية، مما يجعلنا عاجزين عن مجاراة هذا التدفق المعلوماتي الهائل دون استخدام التكنولوجيل تعزيز قدراتنا العقلية و مهاراتنا الفكرية.
لقد أصبحت التكنولوجيا حاضرة بقوة و بوتيرة متزايدة في كل مجالات الفكر الإنساني شاملة العلوم الحقة، و معظم العلوم الإنسانية بما فيها الفنون بجميع أنواعها، و التي أصبحت تشهد ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، إلى جانب التعليم حيث تسعى التكنولوجيا إلى ردم الهوة و تقريب المسافات بين الحاجات المعاصرة لطلاب اليوم و الوسائل و الطرق التعليمية التقليدية التي مازالت سائدة في كثير من أنظمتنا التعليمية. كما أثرت الثورة التكنولوجية أيضا على سوق العمل، فالوظائف التي يمكن القيام بها في معزل عن التكنولوجيا سائرة في طريق الانقراض، فلا تكاد تخلو وظيفة من المعلوميات و الآليات المعقدة التي تتطلب دراية تقنية و قدرة على التعامل مع التكنولوجيا على الوجه الأمثل.
إن الإنسان مهما بلغ ذكاؤه و حكمته لا يمكنه مواجهة التحديات المعاصرة و الاندماج التام في عالم اليوم دون تعزيز ذكائه و قدراته الفكرية بالتكنولوجيا الحديثة، فقد مكنت هذه الأخيرة الإنسان من القيام بالعديد من الأشياء التي كانت تحسب فيما مضى في عداد المستحيلات، كما مكنت الناس من التواصل الآني في تجاوز تام للمفهوم التقليدي للزمان و المكان، و حولت العالم بما رَحُب إلى قرية صغيرة، لا وجود فيها للحدود و الاختلافات.
2- نحو إعادة تعريف الحكمة
يشهد الفكر الإنساني تحولا جذريا و عميقا، قوامه الثورة التكنولوجية التي غيرت معالم حياتنا إلى الأبد، فأصبحنا معها نحن البشر مجبرين على البحث عن الوصفة المثالية التي تجمع بين الذكاء الإنساني و الذكاء الإصطناعي في أفق التحكم في عناصر البيئة المحيطة بنا، و بناء الحضارة الإنسانية بكل معانيها المادية و القيمية.
إن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب منا مراجعة التعريف التقليدي للحكمة -و التي كانت تقتضي تعلم الإنسان أقصى حد من المعارف و العلوم و المهارات، لتفسير الظواهر من حوله- في أفق استدماج مهارات القرن الواحد و العشرين (link is external) بما فيها مهارة تعلم التعلم و التي تمكن من التأقلم السريع مع أي موقف يتطلب تحديثا للمهارات و المعارف، و مهارات التفكير النقدي (link is external) التي تعزز القدرة على حل المشكلات و إدارة الحوار، و مهارة التفكير الإبداعي التي تمكن الإنسان من التفكير خارج الصندوق و القدرة على ابتكار حلول إبداعية لمشكلات مستقبلية، إلى جانب مهارات البحث و المهارات الحياتية التي تشمل المرونة و روح المبادرة و الإنتاجية و التخطيط و التنظيم و الإدارة…
إن ما سبق ذكره لا يعني التخلي عن الحكمة التقليدية و التي مازالت صالحة في كثير من جوانب الحياة، و لكن التحلي بنوع جديد من الحكمة الرقمية Digital Wisdom والتي تتدخل حين تعجز الحكمة التقليدية عن تفسير الأمور و الأخذ بزمامها، حكمة تستطيع تسخير أفضل ما تجود به التكنولوجيا و أفضل ما لدى الإنسان لصالح الإنسان نفسه، ووضع المعرفة الإنسانية محل المسائلة، سعيا نحو الاحتفاظ فقط بما يستجيب لمتطلبات العصر.
3- الحكمة الرقمية في خدمة التعليم
طلاب اليوم ليسوا كطلاب الأمس، فالكثير من المهام التي كانت سابقا من اختصاص العقل البشري، أصبحت في عُهدة التكنولوجيا بتفويض من الإنسان ذاته، و هكذا لم يعد الطالب مجبرا على تذكر المواعيد المدرسية و الأحداث و المعارف التي أصبحت ذاكرة الهاتف النقال و قرص الحاسوب، و التخزين السحابي موطنا آمنا لها، كما أن العمليات الحسابية سواء السهلة أو المعقدة منها غدت من اختصاص الآلة الحاسبة، و التموقع الجغرافي صار هو الآخر مفوضا لأنظمة تحديد المواقع، و ليس هذا فقط بل حتى العلاقات الاجتماعية أصبحت لها مواقع إلكترونية تديرها لصالحنا. إنها التكنولوجيا رفيقة هذا الجيل الذي ندرسه في مدارسنا اليوم، عليها فتح عينيه، و في كنفها شب و سيشيب، أفنعتبر هذا الأمر سلبيا و نسعى لمراجعة الأمور لتعود لنصابها؟
إن ما يجب في الحقيقة أن يراجع ليس أسلوب حياة الطلاب و طريقة تفكيرهم و نظرتهم للأمور، فهي معركة حكم عليها بالخسارة قبل بدايتها، بل هو طريقة تقديرنا للأمور نحن المدرسون و الفاعلون في ميدان التربية و التعليم، فما سبق ذكره ليس سلبيات يجب اجتثاثها، بل هي في الحقيقة أشياء ليست فقط إيجابية، بل مهارات أساسية يجب تنميتها لدى الطلاب. نحن بحاجة إلى إعادة تعريف التعلمات الأساس لتتناسب مع متطلبات الحكمة الرقمية في المدارس، علينا أن نعلم الأطفال كيف يستغلون إلى أقصى حد الإمكانات الهائلة التي توفرها التكنولوجيا، كيف يوظفونها لتعزيز قدراتهم العقلية لحل مشكلات العصر، في احترام تام لقيم المجتمع الذي يحتضن المدرسة، و لمتطلبات المواطنة الرقمية (link is external)، علينا أيضا أن نوظف التكنولوجيا كدعامة أساسية للعملية التعليمية التعلمية، إن أردنا حقا ألا تفقد المدرسة دورها كرافعة للتنمية الشاملة، و آلية أساسية لنقل قيم المجتمع.
يشهد العالم اليوم تطورا سريعا في جميع ميادين الحياة، تطور يميل يوما بعد يوم إلى الاستقلال عن إرادتنا و السير قدما نحو وجهة لم نخطط لها و لا نعلم عنها شيئا، و ما من سبيل لإعادة التحكم في زمام الأمور إلا بإعادة النظر في التعليم، فلسفة و منهجا و نظاما، ليستوعب سمات العصر الحالي و متطلباته.
لم يعد بمقدور شباب اليوم تصور الحياة منفصلة عن التكنولوجيات الحديثة و على رأسها الإنترنت، فقد أصبحت هذه الأخيرة ضاربة بجذورها في أدق تفاصيل حياتنا إلى حد غيرت معه أسلوب حياتنا برمته، حتى لا يكاد يشبه في شيء ذاك السائد ما قبل الثورة التكنولوجية، وغدت الآلات تقوم مقامنا في الكثير من الأعمال الشاقة و المرهقة، و تطورت الإنترنت من مجرد وسيلة للتواصل و تبادل المعلومات إلى إنترنت الأشياء التي تتحكم و تدبر و تزامن عناصر البيئة حيث تدور أحداث حياتنا اليومية، فهذه بيوتنا و سياراتنا أصبحت ذكية، و تلك أجهزتنا المحمولة تلازمنا في حلنا و ترحالنا، تنظم مواعيدنا و تسجل أدق تفاصيل حياتنا، حتى أصبحت خصوصيتنا مجالا مفتوحا للشركات الكبرى، و تلك مواقع التواصل الاجتماعي غيرت كثيرا من عاداتنا في التواصل و أعادت تعريف العديد من المفاهيم العلائقية، فأصبحت العلاقات الافتراضية تعوض شيئا فشيئا نظيرتها المباشرة، و غدت تلك المواقع وسائل للتعبئة و صناعة الرأي العام… و غيرها الكثير من التغييرات الجذرية التي أحدثتها التكنولوجيا في أسلوب حياتنا و طريقة تفكيرنا و نظرتنا للأمور من حولنا، حيث أصبحنا اليوم مطالبين بالتكيف مع عالم مختلف، عالم يتطور بوتيرة سريعة يصعب مجاراتها، و يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، إلى درجة تُعجز العقل البشري عن التكيف، و يصبح معها غير قادر على الاستجابة لمتطلبات هذا العصر دون مساعدة و توجيه، و لحسن الحظ فالتكنولوجيا التي عقدت حياتنا يمكنها في المقابل أن توسع مداركنا لمساعتنا على فهم العالم من حولنا و استيعاب متغيراته. و هذا الإدراك الموسع سيرورة معرفية أساسية و ليست مجرد رفاهية أو كمالية فكرية ( Andy Clark, Extended Mind, 1998) فالعقل البشري اليوم يمر بمرحلة انتقالية تلعب فيها التكنولوجيا دورا محوريا، فهي تساعدنا على التفكير و اتخاذ قرارات حكيمة في جميع مجالات الحياة، كما تعزز العديد من العمليات العقلية التي يستخدمها الإنسان لفهم ذاته و التعامل بفعالية مع بيئته، كالذاكرة و الإبداع و الابتكار، فالتكنولوجيا إذا استخدمت بحكمة يمكن أن ترتقي بالعقل البشري إلى آفاق و مدارك جديدة لم يكن ليبلغها يوما بآلياته العقلية الفطرية المجردة.
لكن، ألا يمكن أن يؤدي كل هذا الاعتماد على التكنولوجيا في أدق تفاصيل حياتنا و حلولها محل الإنسان في العديد من المجالات، و للقيام بالعديد من أموره الشخصية إلى إضعاف الذكاء البشري؟ و من جهة أخرى أليست قدراتنا العقلية وحدها كافية لمواجهة تحديات العصر، إذا تم استخدامها بحكمة؟
1- التكنولوجيا كآلية لمواجهة تحديات العصر
يرى مارك برنسكي Marc Prensky صاحب كتاب from digital natives to digital wisdom، أن العقل البشري و رغم كل القدرات الهائلة التي يتمتع بها، إلا أنه لم يعد لوحده قادرا على التعامل بجدارة و فعالية مع السياق الذي نعيش في كنفه، ما يفرض علينا تعلم توظيف التكنولوجيا لتعزيز مهارات التفكير (link is external) لدينا، فالاستخدام الحكيم للتكنولوجيا ينعكس إيجابا على الوجود البشري ككل.
إن ما ذهب إليه برنسكي Prensky صحيح، فالعقل البشري و رغم تفوقه على جميع الكائنات الحية الأخرى، و نجاحه في ضمان بقائنا منذ بداية تواجدنا على الأرض حتى يومنا هذا، إلا أنه و في هذا العصر المختلف تماما عن العصور التي مرت منها البشرية، لا يستطيع تذكر و معالجة ترليونات البيانات المعقدة التي تحيط بنا، فالعقل البشري بطيء نسبيا و الذاكرة البشرية ليست بنفس فعالية و دقة و كذا موثوقية الحلول التكنولوجية، مما يجعلنا عاجزين عن مجاراة هذا التدفق المعلوماتي الهائل دون استخدام التكنولوجيل تعزيز قدراتنا العقلية و مهاراتنا الفكرية.
لقد أصبحت التكنولوجيا حاضرة بقوة و بوتيرة متزايدة في كل مجالات الفكر الإنساني شاملة العلوم الحقة، و معظم العلوم الإنسانية بما فيها الفنون بجميع أنواعها، و التي أصبحت تشهد ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، إلى جانب التعليم حيث تسعى التكنولوجيا إلى ردم الهوة و تقريب المسافات بين الحاجات المعاصرة لطلاب اليوم و الوسائل و الطرق التعليمية التقليدية التي مازالت سائدة في كثير من أنظمتنا التعليمية. كما أثرت الثورة التكنولوجية أيضا على سوق العمل، فالوظائف التي يمكن القيام بها في معزل عن التكنولوجيا سائرة في طريق الانقراض، فلا تكاد تخلو وظيفة من المعلوميات و الآليات المعقدة التي تتطلب دراية تقنية و قدرة على التعامل مع التكنولوجيا على الوجه الأمثل.
إن الإنسان مهما بلغ ذكاؤه و حكمته لا يمكنه مواجهة التحديات المعاصرة و الاندماج التام في عالم اليوم دون تعزيز ذكائه و قدراته الفكرية بالتكنولوجيا الحديثة، فقد مكنت هذه الأخيرة الإنسان من القيام بالعديد من الأشياء التي كانت تحسب فيما مضى في عداد المستحيلات، كما مكنت الناس من التواصل الآني في تجاوز تام للمفهوم التقليدي للزمان و المكان، و حولت العالم بما رَحُب إلى قرية صغيرة، لا وجود فيها للحدود و الاختلافات.
2- نحو إعادة تعريف الحكمة
يشهد الفكر الإنساني تحولا جذريا و عميقا، قوامه الثورة التكنولوجية التي غيرت معالم حياتنا إلى الأبد، فأصبحنا معها نحن البشر مجبرين على البحث عن الوصفة المثالية التي تجمع بين الذكاء الإنساني و الذكاء الإصطناعي في أفق التحكم في عناصر البيئة المحيطة بنا، و بناء الحضارة الإنسانية بكل معانيها المادية و القيمية.
إن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب منا مراجعة التعريف التقليدي للحكمة -و التي كانت تقتضي تعلم الإنسان أقصى حد من المعارف و العلوم و المهارات، لتفسير الظواهر من حوله- في أفق استدماج مهارات القرن الواحد و العشرين (link is external) بما فيها مهارة تعلم التعلم و التي تمكن من التأقلم السريع مع أي موقف يتطلب تحديثا للمهارات و المعارف، و مهارات التفكير النقدي (link is external) التي تعزز القدرة على حل المشكلات و إدارة الحوار، و مهارة التفكير الإبداعي التي تمكن الإنسان من التفكير خارج الصندوق و القدرة على ابتكار حلول إبداعية لمشكلات مستقبلية، إلى جانب مهارات البحث و المهارات الحياتية التي تشمل المرونة و روح المبادرة و الإنتاجية و التخطيط و التنظيم و الإدارة…
إن ما سبق ذكره لا يعني التخلي عن الحكمة التقليدية و التي مازالت صالحة في كثير من جوانب الحياة، و لكن التحلي بنوع جديد من الحكمة الرقمية Digital Wisdom والتي تتدخل حين تعجز الحكمة التقليدية عن تفسير الأمور و الأخذ بزمامها، حكمة تستطيع تسخير أفضل ما تجود به التكنولوجيا و أفضل ما لدى الإنسان لصالح الإنسان نفسه، ووضع المعرفة الإنسانية محل المسائلة، سعيا نحو الاحتفاظ فقط بما يستجيب لمتطلبات العصر.
3- الحكمة الرقمية في خدمة التعليم
طلاب اليوم ليسوا كطلاب الأمس، فالكثير من المهام التي كانت سابقا من اختصاص العقل البشري، أصبحت في عُهدة التكنولوجيا بتفويض من الإنسان ذاته، و هكذا لم يعد الطالب مجبرا على تذكر المواعيد المدرسية و الأحداث و المعارف التي أصبحت ذاكرة الهاتف النقال و قرص الحاسوب، و التخزين السحابي موطنا آمنا لها، كما أن العمليات الحسابية سواء السهلة أو المعقدة منها غدت من اختصاص الآلة الحاسبة، و التموقع الجغرافي صار هو الآخر مفوضا لأنظمة تحديد المواقع، و ليس هذا فقط بل حتى العلاقات الاجتماعية أصبحت لها مواقع إلكترونية تديرها لصالحنا. إنها التكنولوجيا رفيقة هذا الجيل الذي ندرسه في مدارسنا اليوم، عليها فتح عينيه، و في كنفها شب و سيشيب، أفنعتبر هذا الأمر سلبيا و نسعى لمراجعة الأمور لتعود لنصابها؟
إن ما يجب في الحقيقة أن يراجع ليس أسلوب حياة الطلاب و طريقة تفكيرهم و نظرتهم للأمور، فهي معركة حكم عليها بالخسارة قبل بدايتها، بل هو طريقة تقديرنا للأمور نحن المدرسون و الفاعلون في ميدان التربية و التعليم، فما سبق ذكره ليس سلبيات يجب اجتثاثها، بل هي في الحقيقة أشياء ليست فقط إيجابية، بل مهارات أساسية يجب تنميتها لدى الطلاب. نحن بحاجة إلى إعادة تعريف التعلمات الأساس لتتناسب مع متطلبات الحكمة الرقمية في المدارس، علينا أن نعلم الأطفال كيف يستغلون إلى أقصى حد الإمكانات الهائلة التي توفرها التكنولوجيا، كيف يوظفونها لتعزيز قدراتهم العقلية لحل مشكلات العصر، في احترام تام لقيم المجتمع الذي يحتضن المدرسة، و لمتطلبات المواطنة الرقمية (link is external)، علينا أيضا أن نوظف التكنولوجيا كدعامة أساسية للعملية التعليمية التعلمية، إن أردنا حقا ألا تفقد المدرسة دورها كرافعة للتنمية الشاملة، و آلية أساسية لنقل قيم المجتمع.
يشهد العالم اليوم تطورا سريعا في جميع ميادين الحياة، تطور يميل يوما بعد يوم إلى الاستقلال عن إرادتنا و السير قدما نحو وجهة لم نخطط لها و لا نعلم عنها شيئا، و ما من سبيل لإعادة التحكم في زمام الأمور إلا بإعادة النظر في التعليم، فلسفة و منهجا و نظاما، ليستوعب سمات العصر الحالي و متطلباته.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق